28 يناير 2011
من شهرين تلاتة اعطانى صديقى خالد عبدالله مجموعة كبيرة من الافلام القصيرة - كليبات - كان التقطها بتليفونه المحمول يوم 28 يناير و قعدت اشاهدها و انا متخيلة اننى ملمة بكل تفاصيل اليوم و متذكرة احداثه بدقة. و لكن بعد المشاهدة اتضح لى ان ذاكرتى بتلعب معايا العاب مش ظريفة و ده نتيجة التقدم فى السن او الانتقاء لحماية الذات من الالم و الصدمة .. او الاتنين
انا فاكرة تفاصيل مضحكة و مبهجة و تفاصيل مخيفة و مؤلمة و متصورة انى كنت شجاعة و قوية معظم الوقت و مرعوبة فى لحظات معينة و ملمة بالاحداث لحد كبير .. لكن الافلام بتكذبنى
اول تفصيلة بتحضرنى مكالمة تليفونية من اخى الأكبر الساعة الثامنة صباحا ... صوته - على غير العادة - كان قلق و متوتر و موعد المكالمة كان استثنائى نظرا لأنه يعلم اننى لا ابدأ يومى قبل العاشرة .. لكنه كان يوم استثنائى من اوله لأننى صحيت الساعة سابعة من شدة التوتر و الترقب لجمعة الغضب و انقطاع الانترنت و خدمة الرسائل القصيرة على المحمول. اخويا ماضيعش وقت فى السلام و التحية. ابتدى مكالمته بتحذيرى من انه اتصلات المحمول حتقطع فى الساعة العاشرة و انه قطع رحلته للشرقية و عاد الى القاهرة فجرا لعلمه بأن منافذ العاصمة "حتتكردن" طوال اليوم .. سألنى لو كنت نازلة المظاهرات و لما قلتله طبعا حذرنى من ان الداخلية حتضرب من غير رحمة و وصانى ماتهورش. قفلت معاه بسرعة و كلمت بعض المعارف و الاصدقاء لتأكيد موعد لقاءنا فى قهوة سيلانترو فى شارع محمد باشا محمود و بعدين كلمت امى اتطمئنها و اتفقت معها على فنجان قهوة بعد المظاهرة. حاولت اكلم عبدالعزيز و عبدالرحمن اولادى لكنهم كانوا نائمين. خدمة المحمول سقطت فى حوالى الساعة التاسعة و النصف
الساعة 11:30 نزلت من البيت مع نازلى بنتى و اخذنا تاكسى لميدان التحرير و معانا مجموعة من الكوفيات استعدادا للغاز المسيل للدموع. بمجرد ما وصلنا للميدان عرفنا انه لا يمكن نبدأ المظاهرة من هناك ... الميدان و الشوارع الجانبية المتفرعه منه كان ثكنة عسكرية .. امن مركزى و بلطجية الشرطة فى كل مكان. فى سيلانترو قابلنا مجموعتين من الأصدقاء .. مجموعة قررت تنضم لللدكتور محمد البرادعى فى ميدان الجيزة و مجموعة اصدقاء مقربين اخذتنا لميدان مصطفى محمود
كنا ستة اشخاص و معدات تصوير مزنوقين فى سيارة صغيرة مملوكة لصديقتنا المذيعة ريم ماجد .. ريم كانت رابطة شعرها بمنديل و لابسة نظارة شمس كبيرة و مع ذلك كل شوية حد فى الشارع يشاور عليها و يتعرف عليها فيرد امجد صديقنا بعبارة اللمبى: انا متخفى يا حارة حوش .. فضلنا نضحك على الافيه بالرغم من استهلاكه اثناء المشوار لميدان مصطفى محمود
وصلنا شارع البطل احمد عبدالعزيز و اثناء صف السيارة توقفت سيارة بها ام و بنتين فى سن المراهقة. سألتنا السيدة اذا كنا قاصدين الميدان للانضمام للمظاهرة قلنالها طبعا و سألنها لو هى برضه متجهة فقالت انها ذاهبة لزيارة امها فى مصر الجديدة لكن بناتها عاوزين يروحوا المظاهرة لكن هى خايفة .. شجعناها و طمئناها اننا مجموعة كبيرة و اننى نازلة مع بنتى و اكيد الشرطة مش حتتكرر اللى عملته يوم عيدها .. المهم الست مشيت و سابتنا. بعد عشرة دقئق و اثناء وجودنا خارج جامع مصطفى محمود ظهرت هى و بناتها و قالت انها قررت تنضم لينا و طلبت منا نوجهها هى و البنات لأنهم اول مرة ينزلوا مظاهرة .. بعد دقيقتتين و بعد ما اتعرفنا مالت علي و قالتلى: عارفة انا باشتغل ايه؟ طبيبة فى مستشفى الشرطة! اللى يشوف الدكتورة ساعتها ماكنش يتخيل هتافتها و شجاعتها على كوبرى قصر النيل عصرا. اشاهد صورتها فى كليب و اتمنى ان نلتقى يوما ما.
صلاة الجمعة فى مسجد مصطفى محمود كانت استثنائية. كانت قوات الأمن المركزى تحيط بالمصليين و كثير من غير المصليين الذين جاءوا للمشاركة فى المظاهرة. مع نهاية الصلاة سلم الامام و المصلين من بعده مرة واحدة اما التسليم الثانى فكان هتاف "الشعب يريد اسقاط النظام" و بداية التحرك فى اتجاه شارع البطل احمد عبدالعزيز.
المسيرة كانت تختلف عن اى مسيرة سبق و اشتركت فيها من حيث العدد و الحماس و الهتافات. نظرا لقصر قامتى لم اكن ارى ابعد من الصفوف المحيطة بى و كنت متخيلة اننا الفين او ثلاثة الاف شخص و لكن الافلام التى صورها صديقى اثبتت لى ان العدد كان اكثر بكثير و كان فى كثير من الأصدقاء و المعارف و الشخصيات العامة لا اتذكر رؤيتهم يومها بالرغم من انهم كانوا بالقرب منا
انا قصيرة القامة و بطيئة الحركة فكنت احاول جاهدة ان الحق بمن معى و الا نفترق .. و اثناء الجرى فى شارع البطل احمد عبدالعزيز انقض علي شخص من الخلف .. ادرت وجهى لاعنفه فوجدت ابنى عبدالرحمن و اخوه عبدالعزيز خلفه. اصابتنى نوبة من الضحك و قلت لهم مش قلتم مش نازلين النهارده .. عموما كويس اننا اتقابلنا علشان نقضى يوم الجمعة مع بعض كالعادة ... و شكله كده حيبقى يوم حلو. ضحك عبدالعزيز و قال لى ما انتى كمان قلتى انك مش نازلة! يعنى من الآخر كده طلعنا عائلة كذابين
بعد مشوار طويل و مرهق بالنسبة لى وصلنا ميدان الجلاء و هناك اتضح لى اننا فى الصفوف الأولى. اوقفتا قوات الأمن المركزى المصفوفة عند آخر شارع التحرير و انا بصراحة كنت سعيدة بالاستراحة. لكن الراحة لم تتدم كثيرا و بدأ قذف الغاز المسيل للدموع و الهرج و المرج الذى يلحقه. اعطيت ابنى عبدالعزيز كوفية لونها فيروزى فاعترض اولا ثم اتضطر ان يأخذها مع كثافة الدخان .. و تبقى تلك الكوفية العلامة المميزة لعبدالعزيز فى افلام بقية اليوم
بعد دقائق و مع شدة الغاز بدأت اشعر بدوار شديد و كدت انهار و فقدت القدرة على التركيز و متابعة ابناءى و الاصدقاء. جاءنى عبدالرحمن ليسألنى ان كنت بخير ثم اختفى ثم رأيت ابنتى و صديقتها "الست منة" ثم غابوا عن نظرى ثم شاهدت ريم ماجد تختنق و عبدالعزيز يساعد شخص ما و خالد يجرى و تامر يصيح بغضب و لم اجد امجد ثم وجدت الدكتورة و بناتها بجوارى و ابنتها الصغيرة تبدو مرعوبة ... و مزيد من الدوار و الغثيان .. ثم الخل و الكوكاكولا و شابة توزع كمامات طبية و ضجيج ..ثم صوت القنابل المسيلة للدموع يهدأ فجأة
سيطر علي الشعور بالدوار و فكرة واحدة: لو سقطت الآن سوف اعيق و اعطل حركة اولادى و اصدقائى و لم اكن استطع ان اقول لهم فلنرحل جميعا .. كانت افكارى مشوشة و اختياراتى مربكة .. اخيرا قررت ان ارحل و كان ذلك من اصعب الاختيارات التى فرضت على فى حياتى .. ذاكرتى تقول اننى ودعت اولادى و انا متطمئنة لوجودهم معا و غير متوقعة لخطر من الشرطة.. الفيلم يؤكد لى انهم كانوا من ضمن مجوعة رائعة التضامن و يكذب احساسى بانهم لن يواجهوا عنفا مروعا
اشاهد الفيلم فارى ابنتى و اولادى الاثنين و معهم منة و الدكتورة و بناتها و اجد امجد رياض الذى كنت اعتقد انه تاه مننا و اشاهد ريم و هى تختنق و الفتاة التى لا اعرفها و الشاب الذى لم اقابله يساعد ريم و اسمع صوت خالد و افزع لمنظر ثورة تامر .. انه فيلم شخصى جدا و لا يقارن بما شاهدناه بعد و اثناء الاحداث و لكننى سوف اشارك احفادى مشاهدته فى يوم ما لاروى لهم عن اللحظة التاريخية التى عشناها. شكرا خالد على توثيقك لها
احمد الله على سلامة اولادى و اصدقائهم و ادعوه ان يديم عليهم نعمة شجاعتهم و تضامنهم و ان يعاقب من كان مسئولا عن قتل و جرح من كانوا معهم يوم جمعة الغضب
2 Comments:
At 4:54 PM, Kristin Sladen said…
Ms. Shahbender - I am working on an upcoming textbook and our publisher would like to include an article you wrote for Al-Ahram. Would you please email me for more information? ksladen @ gmail . com
At 5:30 PM, Mohamad said…
Greetings,
Would you publish a selection of these clips on youtube?
For history. Please.
Thanks.
Would you also like to take a look on our modest effort page on facebook?
It's called "Operation Egypt"
Post a Comment
<< Home